الجمعة، 30 يناير 2009

دوناتللو

الاسم الكامل: Donato di Niccolò di Betto Bardi؛ 1386 - 1466) نحات إيطالي من فلورنسا، يعد من أشهر النحاتين إلى جانب مايكل أنجلو، ومن فناني إيطاليا المعروفين في القرن 15 وفي عصر النهضة الأوروبية.
عرف بنحته للشخصيات البشرية وقصصه الدرامية بعد أن درس النحاتة الرومانية القديمة ثم دمج أفكارها مع مراقبته الحادة والعاطفية للحياة اليومية. بمساعدة ألبرتي، وبرنلسكي، وماساتشيو، وأتشلو، ابتكر دوناتلو أسلوب النهضة الإيطالية التي عرضها على
روما و سيينا و بادوفا في مختلف المراحل من حياته. قدم الكثير في حياته، وبين عامي 1401 و 1461 كانت هنالك حوالي 400 إشارات وثائقية له.
وتكشف لنا سيرة دوناتللوعن تناقض ملحوظ مع معاصره جيبرتي الأكبر منه سناً، فعلى حين تناول دوناتللو جميع المجالات الممكنة في فن النحت وقدم لكل منها نماذج نالت صيتاً ذائعاً، التزم جيبرتي إلى حد بعيد بتخصّصه. وقد تميّزت أعمال دوناتللو بتعدّد أساليبها على نحو ما يتضح من تماثيله كما لازمه التوفيق على الدوام في تطويع موادّه لفنّه سواء أكانت من البرونز أو الخشب أو الرخام، ونحت التماثيل بنفس اليسر الذي حفر به النقوش البارزة على البرونز والرخام. وبينما اقتصرت معرفة جيبرتي بالنحت الكلاسيكي على النماذج المحلية وما أفاده من مطالعة كتابات فتروفيوس وغيره ارتحل دوناتللو بصحبة برونليسكي إلى روما لدراسة المنجزات الكلاسيكية العظمى، وكان لمزاجه الانفعالي العنيف وخياله الجريء المندفع أثر في نبذه ثرثره التفاصيل المعتمدة لدى الصيّاغ، ومن ثم اتسم فنّه بميسم العظمة المهيبة التي أزرت بعظمة جيبرتي حيث أصبحت بالقياس إليها لوناً من ألوان الحذلقة. وهكذا أفضت قدرة دوناتللو على التعبير الملحمي وطاقاته والهائلة وعنفه واندفاعه إلى أن تجعل منه السلف الحق لميكلانجلو.
انطلق دوناتللو مع صديقه برونليسكي إلى روما بعد أن خسر كلاهما مسابقة باب مبنى المعمودية الشمالي، حيث قاما بدراسة التماثيل والمعابد المتداعية واندفعا يقيسان نسبها، بل حاولا تصوّر كيفية ترميمها حتى خيّل لبعض معاصريهم أنهما كانا في الحقيقة يسعيان إلى الوقوع على كنز من النقود الرومانية المدفونة. وبهذا يمكن أن نعد كلّاً من دوناتللو وبرونليسكي أول علماء الآثار في عهد النهضة، فقد فتحت مكتشفاتهما الباب على مصراعيه للابتكارات التي تسللت إلى الأساليب الفنية. ويعد دوناتللو أعظم مثّال في دائرة برونليسكي دون منازع، وكان أكبر سناً من المصوّر مازاتشيو، وعلى غراره كان يسعى إلى استبدال الملاحظة الدقيقة للطبيعة بما جرى عليه أسلافه، فلم يكن عباقرة فلورنسا في مطلع القرن الخامس عشر راضين عن تكرار الأساليب القديمة المتداولة في القرون الوسطى، كالإغريق والرومان الذين كانوا موضع إعجابهم عكفوا في مراسمهم ومحارفهم على دراسة الجسد البشري. وقد حظي دوناتللو بشهرة ذائعة خلال حياته، فدعته المدن الإيطالية الأخرى مثلما دعوا جوتو الذي سبقه بقرن من الزمان ليضيف بدوره إلى جمالها. وكانت أشكاله على نهج أشكال مازاتشيو خشنة ذات زوايا، وإشاراته وإيماءاته عنيفة معبّرة لا تنطوي على أية محاولة لتلطيف أو تخفيف ما قد ينمّ عنه الموضوع الممثّل من عنف أو قسوة أو ظلم.





وتمثال دوناتللو المسمّى "لوزوكوني" أو الأصلع واحد من سلسلة التماثيل الرخامية التي أعدّها لكاتدرائية فلورنسا وبرج أجراسها الذي عهد إليه بتنفيذه عام 1424. وقد صمّم التمثال كي يستقر في كوّة بالطابق الثالث من برج الأجراس ليراه الناس على ارتفاع ستة عشر متراً ونصف من سطح الأرض. لذلك لم يغب عنه أن يشكّل أطواء الثياب وأخاديد الوجه بعمق حتى يتبينها الرائي من موقعه الأدنى مع الضوء، وقصد دوناتللو أن يقدم تمثالاً قوي التعبير لا مجرّد شكل جميل، فتعمّد إبراز عظام الشخصية الضخمة المنحوتة وعضلات ذراعيه المفتولين وحركة الرسغ الأيمن المتقبّضة والجهد البادي على أوتار العنق والحدة المرتسمة على الوجه. وما تزال شخصية صاحب التمثال مجهولة وإن تردّد أنه تمثال إما لحبقوق الذي عُرف بصلعته وإما لإرميا. وفي كل الأحوال هو تمثال لنبي عبراني يضرم صدره بنار الإيمان وخشية ربه، نبي من ذلك النوع القادر على الصيام شهوراً في الصحراء أو الانعزال وحده فوق قمة جبل أو إلقاء مواعظه المثيرة وهو واقف في كوّته يثير مشاعر الجماهير الضالة الغافلة ويحثّهم على الندم ويطالبهم بالتوبة. ويسترعي انتباهنا التأثير الكلاسيكي في مكاسر العباءة التي هي في واقع الأمر محاكاة طبق الأصل للتوجا الرومانية التقليدية، وكذا في ملامح الوجه وفي صلعة الرأس التي تذكّرنا بنماذج "البورتريه" الروماني. وبهذا التمثال نجح دوناتللو في خلق شخصية إنسانية فريدة فذّة دون أن يحذو حذو النماذج التقليدية. ويدلّ الاسم الذي اشتهر به هذا التمثال والذي أطلقه عليه أهل فلورنسا على رضاهم عن الأوصاف التي ارتضاها دوناتللو لهذه الشخصية الصلعاء.



الأصلع - لوزو كوني- متحف كنيسة سانتا ماريا دل فيوري. فلورنسا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق